فصل: 1968 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلاَقِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1964 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ كَتَبَ إلَى امْرَأَتِهِ بِالطَّلاَقِ فَلَيْسَ شَيْئًا‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا عَنْ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ إذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ فَهُوَ طَلاَقٌ لاَزِمٌ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الأَوْزَاعِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ عَنْ الْحَسَنِ، فِي رَجُلٍ كَتَبَ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ ثُمَّ مَحَاهُ فَقَالَ‏:‏ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ يُمْضِيَهُ، أَوْ يَتَكَلَّمَ بِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلَهُ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وقال أبو حنيفة‏:‏ إنْ كَتَبَ طَلاَقَ امْرَأَتِهِ فِي الأَرْضِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلاَقٌ وَإِنْ كَتَبَهُ فِي كِتَابٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَمْ أَنْوِ طَلاَقًا صُدِّقَ فِي الْفُتْيَا وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ‏.‏

وقال مالك إنْ كَتَبَ طَلاَقَ امْرَأَتِهِ فَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ الطَّلاَقَ فَهُوَ طَلاَقٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلاَقًا فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالشَّافِعِيِّ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ‏}

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏، وَلاَ يَقَعُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُ تَطْلِيقٍ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ إنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِهِ

فَصَحَّ أَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ طَلاَقًا حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1965- مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَيُطَلِّقُ مَنْ لاَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ بِلُغَتِهِ بِاللَّفْظِ الَّذِي يُتَرْجَمُ عَنْهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِالطَّلاَقِ وَيُطَلِّقُ الأَبْكَمُ وَالْمَرِيضُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْتِ أَوْ الْإِشَارَةِ الَّتِي يُوقِنُ بِهَا مَنْ سَمِعَهَا قَطْعًا أَنَّهُمَا أَرَادَا الطَّلاَقَ‏.‏

وبرهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَرْءِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُهُ فَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي مِمَّا أُمِرَ بِهِ مَا اسْتَطَاعَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1966 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ غَائِبٌ‏:‏ لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا، وَهِيَ امْرَأَتُهُ كَمَا كَانَتْ، يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، وَجَمِيعُ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا ثَلاَثًا أَوْ أَقَلَّ إِلاَّ حَتَّى يَبْلُغَ إلَيْهَا، فَإِذَا بَلَّغَهَا الْخَبَرُ مَنْ تُصَدِّقُهُ أَوْ بِشَهَادَةٍ تُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهَا الطَّلاَقُ إنْ كَانَتْ حَامِلاً أَوْ طَاهِرًا فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ فَهَذِهِ صِفَةُ طَلاَقِ الْمَدْخُولِ بِهَا‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏‏.‏ فَهَذِهِ صِفَةُ طَلاَقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَيَدْخُلُ فِيهِ طَلاَقُ الثَّلاَثِ الْمَجْمُوعَةِ، وَآخِرُ الثَّلاَثِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّ مَنْ طَلَّقَهَا فَلَمْ يُبْلِغْهَا الطَّلاَقَ فَقَدْ ضَارَّهَا، وَمُضَارَّتُهَا حَرَامٌ، فَفِعْلُهُ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ، وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تَنُوبُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ يُوقِنُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَمْ يُسَرِّحْهَا سَرَاحًا جَمِيلاً، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ لِلْعِدَّةِ، وَلَمْ يُحْصِ الْعِدَّةَ فَلَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُطَلِّقْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يُطَلِّقْ أَصْلاً‏.‏ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ‏:‏ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَهْدِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ تَقُولُ‏:‏ أَرْسَلَ إلَيَّ زَوْجِي بِطَلاَقِي، فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ كَمْ طَلَّقَكِ قُلْتُ‏:‏ ثَلاَثًا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَلَمْ نَقُلْ قَطُّ‏:‏ إنَّهُ لاَ يَلْزَمُهَا الطَّلاَقُ إذَا بَلَغَهَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ‏"‏ بَابِ الْعِدَدِ ‏"‏ مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ‏:‏ إنَّ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَإِنَّهَا لاَ تَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ، إِلاَّ مِنْ حِينِ يَبْلُغُهَا الْخَبَرُ‏.‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الطَّلاَقُ إِلاَّ مِنْ حِينِ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، إذْ لاَ يَجُوزُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ أَنْ يُحَالَ بِزَمَانٍ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَبَيْنَ أَوَّلِ عِدَّتِهَا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ امْرَأَةٌ ذَاتُ زَوْجٍ مَوْطُوءَةٌ مِنْهُ خَارِجَةً عَنْ الزَّوْجِيَّةِ بِطَلاَقِهِ، وَفِي غَيْرِ عِدَّةٍ هَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ خَبَرُ فَاطِمَةَ بِخِلاَفِ مَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، هُوَ ابْنُ فَرُّوخَ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا حَفْصِ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ وَذَكَرَتْ الْخَبَرَ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَأَنْتُمْ لاَ تُجِيزُونَ الطَّلاَقَ إلَى أَجَلٍ، وَلاَ الطَّلاَقَ بِصِفَةٍ، وَتَحْتَجُّونَ بِأَنَّ كُلَّ طَلاَقٍ لاَ يَقَعُ حِينَ يُوقَعُ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ حِينَ لَمْ يَقَعْ، فَكَيْفَ أَجَزْتُمْ طَلاَقَ الْغَائِبِ‏.‏

قلنا‏:‏ لأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَنَا الطَّلاَقَ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ الْمُطَلَّقَاتِ، وَفِي الْمُطَلَّقَةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تُخَاطَبْ، وَالْمَجْنُونَةِ، وَهُمَا لاَ يَلْزَمُ خِطَابُهُمَا بِالطَّلاَقِ، وَقَدْ يُطَلِّقُ الْمُطَلِّقُ عِنْدَ بَابِ الدَّارِ وَيَبْعَثُ إلَيْهَا الْخَبَرَ، وَعَلَى أَذْرُعٍ مِنْهَا، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الطَّلاَقِ فِي الْبُعْدِ وَلَوْ أَقْصَى الْمَعْمُورِ وَبَيْنَ الطَّلاَقِ خَلْفَ حَائِطٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ طَلاَقًا إلَى أَجَلٍ، إنَّمَا هُوَ كُلُّهُ طَلاَقٌ لاَزِمٌ إذَا بَلَغَهَا، أَوْ بَلَغَ أَهْلَهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لاَ تُخَاطَبُ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ حِلُّ النِّكَاحِ، كَمَا يَقَعُ بِالْفَسْخِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1967 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ الْخَبَرُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عُفِيَ لأَُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تُخْرِجْهُ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام فَصَحَّ أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ سَاقِطٌ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ‏.‏

وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ فِي النَّفْسِ، وَالْمُرَاجَعَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي النَّفْسِ، وَالْإِسْلاَمُ فِي النَّفْسِ، كُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏ وَلِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ‏:‏ أَحَدُهَا كَمَا

قلنا‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏

وبه إلى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ لَيْسَ طَلاَقُهُ، وَلاَ عَتَاقُهُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي نَفْسِهِ فَانْتُزِعَتْ مِنْهُ فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ‏:‏ لَقَدْ ظُلِمَ‏.‏

وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ قَالاَ جَمِيعًا‏:‏ مَنْ طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ طَلاَقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَانٍ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ سُئِلَ عَنْهَا ابْنُ سِيرِينَ فَقَالَ‏:‏ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا فِي نَفْسِك قَالَ‏:‏ بَلَى، قَالَ‏:‏ فَلاَ أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا فَهَذَا تَوَقُّفٌ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّهُ طَلاَقٌ، رُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَرَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْفَرْضُ وَالْوَرَعُ أَنْ لاَ يَحْكُمَ حَاكِمٌ، وَلاَ يُفْتِي مُفْتٍ بِفِرَاقِ زَوْجَةٍ عُقِدَ نِكَاحُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ‏.‏

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

وهذا الخبر حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ، لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُفْرِدْ فِيهِ النِّيَّةَ عَنْ الْعَمَلِ، وَلاَ الْعَمَلَ عَنْ النِّيَّةِ، بَلْ جَمَعَهُمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يُوجِبْ حُكْمًا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَهَكَذَا نَقُولُ‏:‏ إنَّ مَنْ نَوَى الطَّلاَقَ وَلَمْ يَلْفِظْ بِهِ، أَوْ لَفَظَ بِهِ وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ طَلاَقٌ، إِلاَّ حَتَّى يَلْفِظَ بِهِ وَيَنْوِيَهُ، إِلاَّ أَنْ يَخُصَّ نَصٌّ شَيْئًا مِنْ الأَحْكَامِ بِإِلْزَامِهِ بِنِيَّةٍ دُونَ عَمَلٍ، أَوْ بِعَمَلٍ دُونَ نِيَّةٍ؛ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا‏:‏ إنَّكُمْ تَقُولُونَ‏:‏ مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِهِ وَتَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعَاصِي عَاصٍ آثِمٌ مُعَاقَبٌ بِذَلِكَ وَتَقُولُونَ‏:‏ إنَّ مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَهُوَ آثِمٌ، وَمَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُؤْمِنٍ ظُلْمًا فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ‏.‏ وَمَنْ أُعْجِبَ بِعِلْمِهِ أَوْ رَاءَى فَهُوَ هَالِكٌ‏.‏

قلنا‏:‏ أَمَّا اعْتِقَادُ الْكُفْرِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ نَصًّا، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ‏}‏ فَخَرَجَ هَؤُلاَءِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ‏.‏

وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ إنَّمَا هُوَ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةٌ لَهُمْ بِنَصِّ الْخَبَرِ، وَمَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِهِ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ‏.‏

وَأَمَّا الْمُصِرُّ عَلَى الْمَعَاصِي فَلَيْسَ كَمَا ظَنَنْتُمْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ الْمُصِرَّ الآثِمَ بِإِصْرَارِهِ هُوَ الَّذِي عَمِلَ السَّيِّئَةَ ثُمَّ أَصَرَّ عَلَيْهَا فَهَذَا جَمَعَ نِيَّةَ السُّوءِ وَالْعَمَلَ السُّوءَ مَعًا‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً فِي نَفْسِهِ فَقَدْ نَهَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الظَّنِّ السُّوءِ، وَهَذَا ظَنُّ سُوءٍ، فَخَرَجَ عَمَّا عُفِيَ عَنْهُ بِالنَّصِّ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَيُخَالِفُ النَّصَّ الثَّابِتَ فِي عَفْوِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ اعْتَقَدَ عَدَاوَةَ مُسْلِمٍ فَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِ بِعَمَلٍ، وَلاَ بِكَلاَمٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِغْضَةٌ وَالْبِغْضَةُ الَّتِي لاَ يَقْدِرُ الْمَرْءُ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ نَفْسِهِ لاَ يُؤَاخَذُ بِهَا، فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ، لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِمُوَالاَةِ الْمُسْلِمِ وَمَحَبَّتِهِ، فَتَعَدَّى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلِذَلِكَ أَثِمَ‏.‏ وَهَكَذَا الرِّيَاءُ وَالْعَجْبُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِلْزَامِ طَلاَقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ رَجْعَةٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ بِالنَّفْسِ، لَمْ يَلْفِظْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنَّهُ كُلُّهُ لَغْوٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1968 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ طَلَّقَ وَهُوَ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى الطَّلاَقِ، لَكِنْ أَخْطَأَ لِسَانُهُ فَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلاَقِ، وَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَكِنْ أَتَى مُسْتَفْتِيًا لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلاَقُ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ أَنْ لاَ عَمَلَ إِلاَّ بِنِيَّةٍ، وَلاَ نِيَّةَ إِلاَّ بِعَمَلٍ‏.‏

وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ فَإِنَّهُ حَقٌّ قَدْ ثَبَتَ، وَهُوَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ لَمْ أَنْوِ الطَّلاَقَ، مُدَّعٍ بُطْلاَنَ ذَلِكَ الْحَقِّ الثَّابِتِ، فَدَعْوَاهُ بَاطِلٌ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا‏:‏ سَمِّنِي فَسَمَّاهَا الظَّبْيَةَ، قَالَتْ‏:‏ مَا قُلْت شَيْئًا قَالَ‏:‏ فَهَاتِ مَا أُسَمِّيك بِهِ قَالَتْ‏:‏ سَمِّنِي خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، قَالَ‏:‏ فَأَنْتِ خَلِيَّةٌ طَالِقٌ، فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَتْ‏:‏ إنَّ زَوْجِي طَلَّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا، وَقَالَ لِزَوْجِهَا‏:‏ خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا مِثْلُ هَذَا فَحَتَّى لَوْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَكُنْ طَلاَقًا‏.‏

وَرُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ‏.‏

وقال مالك‏:‏ إذَا قَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ طَالِقًا، لأََنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلِّقَهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ مَا غَلَبَ الْمَرْءُ عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ كَلاَ قَوْلٍ، لاَ يَلْزَمُهُ بِهِ طَلاَقٌ، وَلاَ غَيْرُهُ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ‏:‏ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا لأَمْرَأَتِهِ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ، لَزِمَهُ الطَّلاَقُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِي الْفُتْيَا، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثًا، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ قَاطِعٌ فَلَمْ يَلْفِظْ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْفُتْيَا، وَالْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ‏.‏ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ، ثُمَّ بَدَا لَهُ عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ قَطَعَهُ عَنْهُ قَاطِعٌ، فَهِيَ حُرَّةٌ فِي الْفُتْيَا‏:‏ وَفِي الْقَضَاءِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ دَخَلَتْ الدَّارَ أَوْ لَمْ تَدْخُلْ‏.‏ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لَهَا كَلاَمًا فَأَخْطَأَ فَسَبَقَهُ لِسَانُهُ فَقَالَ‏:‏ أَنْتِ حُرَّةٌ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏ لاَ تَكُونُ بِذَلِكَ حُرَّةً، وَلاَ يَلْزَمُهُ الْعِتْقُ، بِخِلاَفِ الطَّلاَقِ، وَبِخِلاَفِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعِتْقِ الَّتِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَقَالَ أَصْحَابُهُ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَفِي حَبْلِك عَلَى غَارِبِك، وَسَائِرِ مَا رَأَى التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ فِيهِ بِأَرَقِّ الأَسْبَابِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1969 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَلاَ يَلْزَمُ الْمُشْرِكَ طَلاَقُهُ، وَأَمَّا نِكَاحُهُ، وَبَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ، وَعِتْقُهُ، وَمُؤَاجَرَتُهُ‏:‏ فَجَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ‏.‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏ فَصَحَّ بِهَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ‏.‏ وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْكَافِرَ مَأْمُورٌ بِقَوْلِ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، مُلْزَمٌ ذَلِكَ، مُتَوَعَّدٌ عَلَى تَرْكِهِ بِالْخُلُودِ بَيْنَ أَطْبَاقِ النِّيرَانِ فَكُلُّ كَلاَمٍ قَالَهُ، وَتَرَكَ الشَّهَادَةَ الْمَذْكُورَةَ‏:‏ فَقَدْ وَضَعَ ذَلِكَ الْكَلاَمَ غَيْرَ مَوْضِعِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ سَائِرَ عُقُودِهِ الَّتِي ذَكَرْتُمْ‏.‏

قلنا‏:‏ أَمَّا النِّكَاحُ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَأَبْقَاهُمْ بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ عَلَيْهِ‏.‏

وَأَمَّا بَيْعُهُ، وَابْتِيَاعُهُ‏:‏ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَامِلُ تُجَّارَ الْكُفَّارِ، وَمَاتَ عليه الصلاة والسلام وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِي أَصْوَاعِ شَعِيرٍ‏.‏

وَأَمَّا مُؤَاجَرَتُهُ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَأْجَرَ ابْنَ أَرْقَطَ لِيَدُلَّ بِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ كَافِرٌ وَعَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى عَمَلِ أَرْضِهَا وَشَجَرِهَا بِنِصْفِ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا هِبَتُهُ، وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ فَلِقَوْلِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَشْيَاءُ كُنْت أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَتَاقَةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَصَدَقَةٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ‏.‏ فَسَمَّى عليه الصلاة والسلام كُلَّ ذَلِكَ خَيْرًا، وَأَخْبَرَ‏:‏ أَنَّهُ مُعْتَدٌّ لَهُ بِهِ‏:‏ فَبَقِيَ الطَّلاَقُ لَمْ يَأْتِ فِي إمْضَائِهِ نَصٌّ‏:‏ فَثَبَتَ عَلَى أَصْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ‏}‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَهَذَا الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ بَيْنَهُمْ هُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا ذَكَرْنَا‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَطَلْقَةً فِي الإِسْلاَمِ فَسَأَلَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ لاَ آمُرُك، وَلاَ أَنْهَاك فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ‏:‏ لَكِنَّنِي آمُرُك، لَيْسَ طَلاَقُك فِي الشِّرْكِ بِشَيْءٍ وَبِهَذَا كَانَ يُفْتِي قَتَادَةُ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ، وَرَبِيعَةَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏ وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَفِرَاسٍ الْهَمْدَانِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إجَازَةُ طَلاَقِ الْمُشْرِكِ هُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ لَقَدْ طَلَّقَ رِجَالٌ نِسَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ جَاءَ الإِسْلاَمُ فَمَا رَجَعْنَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَأَنَّ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ وَثَانِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَثَالِثُهَا أَنَّنَا لَمْ نَمْنَعْ نَحْنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ نَافِذٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي ذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَهُ عليه الصلاة والسلام فَيُقِرَّهُ‏.‏

1970 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَطَلاَقُ الْمُكْرَهِ غَيْرُ لاَزِمٍ لَهُ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَيْسَ الرَّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَخَفْتَهُ أَوْ ضَرَبْتَهُ أَوْ أَوْثَقْتَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ الْجُمَحِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَجُلاً تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلاً فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ‏:‏ لاََقْطَعَنَّ الْحَبْلَ، أَوْ لَتُطَلِّقَنِّي فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا، فَلَمَّا ظَهَرَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ‏:‏ ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِطَلاَقٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ‏:‏ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ لاَ يُجِيزُ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ثَابِتٍ الأَعْرَجِ، قَالَ‏:‏ سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ فَقَالاَ جَمِيعًا‏:‏ لَيْسَ بِشَيْءٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ لَيْسَ لِمُكْرَهٍ، وَلاَ لِمُضْطَرٍّ طَلاَقٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى طَلاَقَ الْمُكْرَهِ شَيْئًا‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ لاَ يَجُوزُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَأَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ الطَّلاَقُ مَا عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ‏.‏

وَرُوِيَ خِلاَفُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيُّ أَنَّ امْرَأَةً سَلَّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ‏:‏ وَاَللَّهِ لاََنْفُذَنك أَوْ لِتُطَلِّقَنِي فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمْضَى طَلاَقَهَا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ‏:‏ إنَّهُ وَطِئَ فُلاَنٌ عَلَى رِجْلِي حَتَّى أُطَلِّقَ امْرَأَتِي، فَطَلَّقْتهَا، فَكَرِهَ لَهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا وَهَذَا يُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ إكْرَاهًا

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقُ الْمَعْتُوهِ، وَقَدْ

رُوِّينَا عَنْهُ قَبْلُ إبْطَالَ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ إبْرَاهِيمَ وَصَحَّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏.‏ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ‏.‏ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ إنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لَزِمَهُ‏:‏ رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ‏.‏ وَقَوْلٌ رَابِعٌ رُوِّينَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ أُكْرِهَ ظُلْمًا عَلَى الطَّلاَقِ فَوَرَكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّكْ لَزِمَهُ، وَلاَ يَنْتَفِعُ الظَّالِمُ بِالتَّوْرِيكِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ احْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ‏:‏ طَلِّقْنِي أَوْ لاََذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ الْجُبْلاَنِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ صَفْوَانَ يَقُولُ‏:‏ إنَّ رَجُلاً جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى فُؤَادِهِ وَهِيَ تَقُولُ‏:‏ لَتُطَلِّقَنِّي أَوْ لاََقْتُلَنَّكَ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام‏:‏ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، صَفْوَانُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ وَالْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ مَغْمُورٌ‏.‏ وَذَكَرُوا خَبَرًا آخَرَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقُ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ‏.‏ وَهَذَا شَرٌّ مِنْ الأَوَّلِ؛ لأََنَّ عَطَاءَ بْنَ عَجْلاَنَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ أَوَّلُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ لأََصْلٍ فَاسِدٍ لَهُمْ‏:‏ أَمَّا أَصْلُهُمْ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ‏:‏ إذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا رَاوِيهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا ذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْطَالُ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا‏.‏

وَأَمَّا خِلاَفُهُمْ لَهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَعُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ الْمَلْعُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، كَمَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ جَوَازَ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ‏.‏ فَإِنْ ادَّعَوْا فِي إبْطَالِ طَلاَقِ الصَّبِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي اسْتِسْهَالِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ‏.‏

مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ‏"‏ اُكْتُمُوا الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ ‏"‏‏.‏ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَهَابُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْغُلاَمِ إِلاَّ الطَّلاَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي طَلاَقِ الصَّبِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَأَحْصَى الصَّلاَةَ جَازَ طَلاَقُهُ‏.‏ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَكْتُمُونَ الصِّبْيَانَ النِّكَاحَ إذَا زَوَّجُوهُمْ مَخَافَةَ الطَّلاَقِ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَفِي هَذَا الْخَبَرِ ‏"‏ وَكَانَ إذَا وَقَعَ لَمْ يَرَهُ شَيْئًا ‏"‏‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، هَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ، لاَ عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ حُكِيَ عَنْهُمْ كِتْمَانُ الصِّبْيَانِ زَوَاجَهُمْ مَخَافَةَ الطَّلاَقِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارٍ فِيهَا ثَلاَثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ‏:‏ النِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَةُ وَهِيَ أَخْبَارٌ مَوْضُوعَةٌ، لأََنَّهَا إنَّمَا فِيهَا حُكْمُ الْهَازِلِ، وَالْجَادِّ، لاَ ذِكْرَ لِلْمُكْرَهِ فِيهَا وَبَعْدُ‏:‏ فَإِنَّمَا رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَدْرَكَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَجْهُولٌ لأََنَّ قَوْمًا قَالُوا‏:‏ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقَوْمًا قَالُوا‏:‏ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَا بَالُ رِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ، يَقُولُ أَحَدُهُمْ‏:‏ قَدْ طَلَّقْتُ ثُمَّ رَاجَعْتُ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا جَوَازُ طَلاَقِ مُكْرَهٍ‏.‏ أَوْ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ طَلَّقَ لاَعِبًا أَوْ أَنْكَحَ لاَعِبًا أَوْ نَكَحَ لاَعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لاَعِبًا فَقَدْ جَازَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا لِطَلاَقِ مُكْرَهٍ أَثَرٌ‏.‏ وَمِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ مَنْ طَلَّقَ لاَعِبًا أَوْ أَعْتَقَ لاَعِبًا‏.‏ وَلَيْسَ فِيهِ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ‏.‏ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا فَاحِشُ الأَنْقِطَاعِ، ثُمَّ لَيْسَ لِلْمُكْرَهِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَنْ نَكَحَ لاَعِبًا أَوْ طَلَّقَ لاَعِبًا‏.‏

وَإِنْ قَالُوا‏:‏ هُوَ طَلاَقٌ

قلنا‏:‏ كَلًّا، لَيْسَ طَلاَقًا إنَّمَا الطَّلاَقُ مَا نَطَقَ بِهِ الْمُطَلِّقُ مُخْتَارًا بِلِسَانِهِ قَاصِدًا بِقَلْبِهِ، كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنْتُمْ تُسَمُّونَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، وَنِكَاحَ عَشْرٍ‏:‏ نِكَاحًا فَأَجِيزُوهُ لِذَلِكَ فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَعَلَيْنَا إيرَادُ الْبُرْهَانِ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ عَلَى بُطْلاَنِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ‏:‏ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ بِلاَ نِيَّةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَطَلاَقُ الْمُكْرَهِ عَمَلٌ بِلاَ نِيَّةٍ، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِمَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ فَقَطْ، وَلاَ طَلاَقَ عَلَى حَاكٍ كَلاَمًا لَمْ يَعْتَقِدْهُ‏.‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَمِنْ أَعْظَمِ تَنَاقُضِهِمْ‏:‏ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ، وَنِكَاحَهُ، وَإِنْكَاحَهُ، وَرَجْعَتَهُ، وَعِتْقَهُ، وَلاَ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ، وَلاَ ابْتِيَاعَهُ، وَلاَ هِبَتَهُ، وَلاَ إقْرَارَهُ وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ‏.‏

1971 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَمَنْ قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت فُلاَنَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ‏:‏ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلاَ تَكُونَ طَالِقًا‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَسَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ لاَ يَلْزَمُ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا‏:‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يَلْزَمُهُ كُلُّ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ عَيَّنَ قَبِيلَةً أَوْ بَلْدَةً أَوْ امْرَأَةً أَوْ مُدَّةً قَرِيبَةً يَعِيشُ إلَيْهَا لَزِمَهُ، فَإِنْ عَمَّ لَمْ يَلْزَمْهُ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ نَمْنَعْهُ، وَلَمْ نَفْسَخْهُ‏.‏ فَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ قَوْلُنَا كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏"‏ لاَ طَلاَقَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَإِنْ سَمَّاهَا فَلَيْسَ بِطَلاَقٍ ‏"‏‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت فُلاَنَةَ فَهِيَ طَالِقٌ‏.‏

فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ لَيْسَ طَلاَقٌ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مِلْكٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لاَ طَلاَقَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ ‏"‏، قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ فَإِنْ حَلَفَ بِطَلاَقٍ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَلاَ شَيْءَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ بَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ إنْ طَلَّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَخْطَأَ فِي هَذَا إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ‏}‏ وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلَّقْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ نَكَحْتُمُوهُنَّ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، كِلاَهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَرْفَعُهُ لاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ طَاوُوس، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي‏.‏

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعِكْرِمَةَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَحْمَدَ، وَأَصْحَابِهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْسَخْهُ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَرِهَهُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ

وَرُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ آمُرْهُ بِفِرَاقِهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا لَمْ آمُرْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ أَحَرَامٌ هُوَ فَقَالَ‏:‏ وَمَنْ يَقُولُ‏:‏ إنَّهُ حَرَامٌ، مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّنْ شَدَّدَ فِيهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّخْصِيصِ وَالْعُمُومِ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت فُلاَنَةَ فَهِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ لاَ تَقْرَبْهَا حَتَّى تُكَفِّرَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لَيْسَ هَذَا مُوَافِقًا لَهُمْ، لأََنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ‏:‏ أَنَّهُ وَإِنْ عَمَّ فَهُوَ لاَزِمٌ فَذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ لَمْ يُسَمَّ قَبِيلَةً أَوْ قَرْيَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ

وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُجْمَلاً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ الْمَرْهَبِيُّ قَالَ‏:‏ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ فِي امْرَأَةٍ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَذَكَرَ إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ أَوْ عَنْ الأَسْوَدِ‏:‏ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ هِيَ كَمَا قَالَ ثُمَّ سَأَلْت الشَّعْبِيَّ وَذَكَرْت لَهُ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ هُشَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِشَيْءٍ، هَذَا رَجُلٌ حَرَّمَ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى نَفْسِهِ‏:‏ فَلْيَتَزَوَّجْ، قَالَ‏:‏ فَإِنْ سَمَّاهَا أَوْ نَسَبَهَا، أَوْ سَمَّى مِصْرًا، أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، فَهِيَ كَمَا قَالَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ إنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنْ وَقَّتَ لَزِمَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت فُلاَنَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَهِيَ كَمَا قَالَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَمَالِكٍ، وَأَصْحَابِهِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ، وَإِنْ عَمَّ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ‏:‏ هُوَ كَمَا قُلْت‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ قَالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ هُوَ كَمَا قَالَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، كِلاَهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ‏:‏ كَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏:‏ يَرَوْنَ الطَّلاَقَ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا قَالَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ شُجَاعٍ عَنْ خُصَيْفٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَ فَعَابَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ‏:‏ مَا لَهُ طَلاَقٌ إِلاَّ بَعْدَمَا مَلَكَ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَجَازَهُ بِكُلِّ حَالٍ فَوَجَدْنَا قَائِلَهُمْ قَالَ‏:‏ لاَ تُخَالِفُونَنَا فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا بِنْت مِنِّي‏:‏ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا فَصَحَّ أَنَّ الطَّلاَقَ مُعَلَّقٌ بِالْوَقْتِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا فَاسِدٌ، لأََنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ الطَّلاَقَ كَمَا أَمَرَ، بَلْ لَمْ يُوقِعْهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ، وَأَوْقَعَهُ حَيْثُ لاَ يَقَعُ فَهُوَ بَاطِلٌ فَقَطْ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قِسْنَاهُ عَلَى النَّذْرِ‏.‏

قلنا‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ النَّذْرَ جَاءَ فِيهِ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ فِي تَقْدِيمِ الطَّلاَقِ قَبْلَ النِّكَاحِ نَصٌّ‏.‏ وَالنَّذْرُ شَيْءٌ يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَيْسَ الطَّلاَقُ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ مِمَّا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إلَيْهِ، وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ‏.‏ وَهُمْ لاَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّ مَنْ قَالَ‏:‏ عَلَيَّ نَذْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ أُطَلِّقَ زَوْجَتِي‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقُهَا وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَمْوِيهَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏}‏ لأََنَّ الطَّلاَقَ عَقْدٌ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ لِمَنْ عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَعْنَى عَقَدَ أَنْ يُطَلِّقَ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ، فَلَيْسَ الطَّلاَقُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهَا قَبْلَ أَنْ تُوقَعَ وَقَالُوا‏:‏ قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا مِنْ أَرْذَلِ قِيَاسَاتِهِمْ وَأَظْهَرِهَا فَسَادًا، إِلاَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ طَلَّقَ الْحَيُّ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَجُزْ‏.‏ وَالْوَصِيَّةُ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ هِيَ فَرْضٌ وَالطَّلاَقُ لَيْسَ فَرْضًا، وَلاَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَمَا وَجَدْنَا لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا‏.‏ وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لأََنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ مَوْضُوعَةٌ، فِيهَا يَاسِينُ وَهُوَ هَالِكٌ وَأَبُو مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَبِي سَلَمَةَ، وَعُمَرَ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ أَلْزَمَهُ إنْ خَصَّ، وَلَمْ يُلْزِمْهُ إنْ عَمَّ، فَوَجَدْنَاهُ فَرْقًا فَاسِدًا، وَمُنَاقَضَةً ظَاهِرَةً، وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ إذَا عَمَّ فَقَدْ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ مَا ضَيَّقَ، بَلْ لَهُ فِي الشِّرَاءِ فُسْحَةٌ، ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ قَدْ ضَيَّقَ فَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ الضِّيقَ فِي مِثْلِ هَذَا يُبِيحُ الْحَرَامَ‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ يَخَافُ فِي امْتِنَاعِهِ مِنْ نِكَاحِ الَّتِي خَصَّ طَلاَقَهَا إنْ تَزَوَّجَهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَخَافُ لَوْ عَمَّ لِكَلَفِهِ بِهَا فَوَضَح فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً‏.‏ وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا لاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، لأََنَّهُ إمَّا مُنْقَطِعٌ، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَرْهَبِيِّ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ فَلَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلاَقَ إِلاَّ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ لاَ يَقَعَ الطَّلاَقُ حِينَ إيقَاعِهِ، ثُمَّ يَقَعَ حِينَ لَمْ يُوقِعْهُ إِلاَّ بِبُرْهَانٍ وَاضِحٍ وَوَجَدْنَاهُ إنَّمَا طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً، وَطَلاَقُ الأَجْنَبِيَّةِ بَاطِلٌ‏.‏ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُخَالِفِينَ لَنَا أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ مُرْتَجَعَةٌ مِنِّي، فَطَلَّقَهَا‏:‏ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ مُرْتَجَعَةً حَتَّى يَبْتَدِئَ النُّطْقَ بِارْتِجَاعِهِ لَهَا‏.‏ وَوَجَدْنَاهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ إذَا قَدِمَ أَبِي فَزَوِّجِينِي مِنْ نَفْسِك فَقَدْ قَبِلْتُ نِكَاحَك فَقَالَتْ هِيَ وَهِيَ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا وَأَنَا إذَا جَاءَ أَبُوك فَقَدْ تَزَوَّجْتُك وَرَضِيت بِك زَوْجًا، فَقَدِمَ أَبُوهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ نِكَاحٌ أَصْلاً‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ‏:‏ إذَا كَسَبْت مَالاً فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي الصَّدَقَةِ بِهِ، فَكَسَبَ مَالاً، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ الآخَرُ وَكِيلاً فِي الصَّدَقَةِ بِهِ إِلاَّ حَتَّى يَبْتَدِئَ اللَّفْظَ بِتَوْكِيلِهِ، فَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ جَوَازُ تَقْدِيمِ الطَّلاَقِ، وَالظِّهَارِ، قَبْلَ النِّكَاحِ وَحَسْبُنَا اللَّهَ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ‏:‏ زَوِّجْنِي ابْنَتَك إنْ وُلِدَتْ لَك مِنْ فُلاَنَةَ فَقَالَ الآخَرُ‏:‏ نَعَمْ، قَدْ زَوَّجْتُك ابْنَتِي إنْ وَلَدَتْهَا لِي فُلاَنَةُ فَوَلَدَتْ لَهُ فُلاَنَةُ ابْنَةً، فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ لَهُ بِذَلِكَ زَوْجَةٌ‏.‏ وَقَدْ جَاءَ إنْفَاذُ هَذَا النِّكَاحِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ‏:‏ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ وَقَضَى لَهَا بِصَدَاقِ إحْدَى نِسَائِهَا، وَلاَ يُعْرَفُ لأَبْنِ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم ،‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَخَرَ‏:‏ إذَا وَكَّلْتنِي بِطَلاَقِ امْرَأَتِك فُلاَنَةَ فَقَدْ طَلَّقْتهَا ثَلاَثًا، ثُمَّ وَكَّلَهُ الزَّوْجُ بِطَلاَقِهَا، أَنَّهَا لاَ تَكُونُ بِذَلِكَ طَالِقًا‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ إنْ تَزَوَّجْت فُلاَنَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا، فَتَزَوَّجَهَا فَطَلَّقَهَا إثْرَ تَمَامِ الْعَقْدِ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لاَحِقٌ بِهِ‏.‏ وَهَذِهِ كُلُّهَا مُنَاقِضَاتٌ فَاسِدَةٌ‏:‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1972 - مَسْأَلَةٌ‏:‏

وَطَلاَقُ السَّكْرَانِ غَيْرُ لاَزِمٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ بِغَيْرِ الْخَمْرِ‏.‏ وَحَدُّ السُّكْرِ هُوَ أَنْ يَخْلِطَ فِي كَلاَمِهِ فَيَأْتِيَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ، وَبِمَا لاَ يَأْتِي بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَكْرَانَ وَإِنْ أَتَى بِمَا يُعْقَلُ فِي خِلاَلِ ذَلِكَ لأََنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يَأْتِي بِمَا يُعْقَلُ، وَيَتَحَفَّظُ مِنْ السُّلْطَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْمَخَاوِفِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ ثَقُلَ لِسَانُهُ وَتَخَبَّلَ مَخْرَجُ كَلاَمِهِ وَتَخَبَّلَتْ مَشَيْته وَعَرْبَدَ فَقَطْ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِمَا لاَ يُعْقَلُ فَلَيْسَ هُوَ سَكْرَانُ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ‏}‏ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّكْرَانَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ، فَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ فَهُوَ سَكْرَانُ، وَمَنْ عَلِمَ مَا يَقُولُ فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ‏.‏ وَمَنْ خَلَطَ فَأَتَى بِمَا يُعْقَلُ وَمَا لاَ يُعْقَلُ فَهُوَ سَكْرَانُ، لأََنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُ‏.‏ وَمَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزَمَ شَيْئًا مِنْ الأَحْكَامِ، لاَ طَلاَقًا، وَلاَ غَيْرَهُ، لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، إذًا لَيْسَ مِنْ ذَوِي الأَلْبَابِ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُ مَا قلنا‏:‏ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ خِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ فَكُتِبَ إلَى عُمَرَ بِذَلِكَ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلاَقَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنَّ رَجُلاً طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرَّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ سَعِيدٌ عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ‏:‏ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلاَقَ السَّكْرَانِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طُرُقٍ لَمْ تَصِحَّ‏:‏ لأََنَّ فِي إحْدَى طَرِيقَيْهِ الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَفِي الْأُخْرَى إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي يَحْيَى‏.‏ وَصَحَّ عَنْ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَسَنِ، وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَالزُّهْرِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَعِتْقُهُ، وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ، وَلاَ شِرَاؤُهُ، وَلاَ بَيْعُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ، وَلاَ تَجُوزُ هِبَتُهُ، وَلاَ صَدَقَتُهُ‏.‏ وَصَحَّتْ إجَازَةُ طَلاَقِ السَّكْرَانِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَتَوَقَّفَ فِي نِكَاحِهِ وَأَجَازَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى كِلاَ الأَمْرَيْنِ‏.‏ وَمِمَّنْ أَجَازَ طَلاَقَهُ‏:‏ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ‏.‏

وقال مالك‏:‏ طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَنِكَاحُهُ وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ جَائِزَةٌ إِلاَّ الرِّدَّةُ فَقَطْ، فَلاَ يُحْكَمُ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّ‏.‏ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ يَجُوزُ طَلاَقُهُ، وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُهُ‏.‏ وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ مَالِكٍ‏:‏ لاَ يَلْزَمُ السَّكْرَانَ شَيْءٌ، وَلاَ يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ، إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لاَ خَامِسَ لَهَا هَكَذَا قَالَ، ثُمَّ سَمَّاهَا فَقَالَ‏:‏ الطَّلاَقُ، وَالْعِتْقُ، وَالْقَتْلُ، وَالْقَذْفُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ لِلزِّنَى، وَلاَ لِلسَّرِقَةِ‏.‏

وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ‏:‏ يَجُوزُ طَلاَقُهُ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ إِلاَّ الرِّدَّةُ‏.‏ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ‏:‏ وَلاَ إسْلاَمُهُ إنْ كَانَ كَافِرًا، وَلاَ إقْرَارُهُ بِالْحُدُودِ‏.‏ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ‏:‏ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ لاَزِمٌ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا‏:‏ فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ، وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاَقٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا رُجُوعَ الزُّهْرِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى هَذَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ رَبَاحِ بْنِ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ‏:‏ طَلاَقُ السَّكْرَانِ لاَ يَجُوزُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ‏:‏ لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ السَّكْرَانِ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ طَلاَقُهُ، وَأَنَّهُ لاَ يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَلَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ لَقَدْ طَلَّقَهَا وَهُوَ لاَ يَعْقِلُ فَحَلَفَ، فَرَدَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدَّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ‏:‏ وَبِهَذَا يَقُولُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏.‏ وَصَحَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ عَنْ رَبِيعَةَ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ‏.‏ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ مِنْ شُيُوخِ الْحَنَفِيِّينَ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ‏:‏ لاَ يَلْزَمُهُ عَقْدٌ، وَلاَ بَيْعٌ، وَلاَ حَدٌّ إِلاَّ حَدُّ الْخَمْرِ فَقَطْ، وَإِنْ زَنَى وَقَذَفَ وَسَرَقَ وَقَالَ اللَّيْثُ‏:‏ لاَ يَلْزَمُهُ طَلاَقٌ، وَلاَ بَيْعٌ، وَلاَ نِكَاحٌ، وَلاَ عِتْقٌ، وَلاَ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَا عَمِلَ بِبَدَنِهِ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ زِنًى، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ

فَنَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ هُوَ أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابَ عَقْلِهِ بِمَعْصِيَتِهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ إذَا أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُؤَاخَذَ بِمَا يَجْنِي فِي ذَهَابِ عَقْلِهِ وَهَذَا مَا لاَ يُوجَدُ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَكُمْ فِيمَنْ تَرَدَّى لِيَقْتُلَ نَفْسَهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَلِمَتْ نَفْسُهُ إِلاَّ أَنَّهُ سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ، وَفِيمَنْ حَارَبَ وَأَفْسَدَ الطَّرِيقَ فَضُرِبَ فِي رَأْسِهِ فَفَسَدَ عَقْلُهُ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا يَلْزَمُ الأَصِحَّاءَ وَهُوَ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْجُنُونَ بِأَعْظَمِ الْمَعَاصِي‏.‏ ثُمَّ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمْسَكَهُ قَوْمٌ عَيَّارُونَ فَضُبِطَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَفُتِحَ فَمُهُ بِكَلُّوبٍ وَصُبَّ فِيهِ الْخَمْرُ حَتَّى سَكِرَ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِطَلاَقِهِ وَهُوَ لَمْ يُدْخِلْ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا، وَلاَ عَصَى‏:‏ فَظَهَرَ فَسَادُ اعْتِرَاضِهِمْ‏.‏ وَمَوَّهُوا بِالأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ثَلاَثٌ هَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَلَيْسَ فِيهَا عَلَى سُقُوطِهَا لِلسَّكْرَانِ ذِكْرٌ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ‏.‏ وَاحْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَوْضُوعِ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ فِي طَلاَقِ مَنْ طَلاَقُهُ طَلاَقٌ مِمَّنْ يَعْقِلُ كَمَا يَقُولُونَ فِي طَلاَقِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ‏.‏ وَبِالْخَبَرِ الْكَاذِبِ‏:‏ كُلُّ طَلاَقٍ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ قَدْ بَيَّنَّا سُقُوطَهُ آنِفًا فِي بَابِ ‏"‏ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ ‏"‏‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَيْسَ بِمَعْتُوهٍ‏.‏

وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لاَ يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّ الْمَعْتُوهَ فِي اللُّغَةِ‏:‏ هُوَ الَّذِي لاَ عَقْلَ لَهُ، وَمَنْ لاَ يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ، فَلاَ عَقْلَ لَهُ، فَهُوَ مَعْتُوهٌ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَإِذَا افْتَرَى‏:‏ جُلِدَ ثَمَانِينَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلِيًّا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهُ، لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ إسْنَادُهُ، ثُمَّ عَظِيمُ مَا فِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ، لأََنَّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ هَذَى، وَالْهَاذِي لاَ حَدَّ عَلَيْهِ‏.‏ وَهَلَّا قُلْتُمْ‏:‏ إذَا هَذَى كَفَرَ، وَإِذَا كَفَرَ قُتِلَ وَقَالُوا‏:‏ بِنَفْسِ السُّكْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَالطَّلاَقُ كَذَلِكَ‏.‏

قلنا‏:‏ كَذَبْتُمْ مَا وَجَبَ قَطُّ بِالسُّكْرِ حَدٌّ، لَكِنْ بِقَصْدِهِ إلَى شُرْبِ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَقَطْ، سَوَاءٌ سَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ مَنْ سَكِرَ مِمَّنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِهَا لاَ حَدَّ عَلَيْهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالصَّلاَةِ فَطَلاَقُهُ لاَزِمٌ لَهُ‏.‏

قلنا‏:‏ كَذَبْتُمْ، بَلْ نَصُّ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالصَّلاَةِ، بَلْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا حَتَّى يَدْرِيَ مَا يَقُولُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ سَكِرَ فَقَتَلَهُ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ فَقُولُوا إذًا بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَى الْمَجَانِينِ، لأََنَّهُ لَوْ سَقَطَ عَنْهُمْ الْحَدُّ لَكَانَ مَنْ شَاءَ قَتْلَ عَدُوِّهِ تَحَامَقَ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ أَحْمَقُ لَكِنْ نَقُولُ‏:‏ لاَ يَخْفَى السَّكْرَانُ مِنْ الْمُتَسَاكِرِ، وَلاَ الأَحْمَقُ مِنْ الْمُتَحَامِقِ‏.‏ وَمِمَّا يُوَضِّحُ صِحَّةَ قَوْلِنَا يَقِينًا‏:‏ الْخَبَرُ الثَّابِتُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ عَبْدَانُ ‏:‏، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وقال أحمد ‏:‏، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، كِلاَهُمَا أَخْبَرَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، قَالَ‏:‏ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ‏:‏ يَعْنِي إذْ عَقَرَ شَارِفَيْ عَلِيٍّ وَهُوَ يَشْرَبُ مَعَ قَوْمٍ مِنْ الأَنْصَارِ، قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ‏:‏ هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأََبِي فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ثَمِلَ فَنَكَصَ عليه الصلاة والسلام عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ‏.‏ فَهَذَا حَمْزَةُ رضي الله عنه يَقُولُ وَهُوَ سَكْرَانُ مَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَفَرَ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ السَّكْرَانَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا يَفْعَلُ جُمْلَةً‏.‏

وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ فَلَمْ يُلْزِمْهُ الرِّدَّةَ، وَأَلْزَمَهُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَمُتَنَاقِضُ الْقَوْلِ، بَاطِلُ الْحُكْمِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1973 - مَسْأَلَةٌ

وَالْيَمِينُ بِالطَّلاَقِ لاَ يَلْزَمُ سَوَاءٌ بَرَّ أَوْ حَنِثَ لاَ يَقَعُ بِهِ طَلاَقٌ، وَلاَ طَلاَقَ إِلاَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ يَمِينَ إِلاَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

برهان ذَلِكَ‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏ وَجَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا هَاهُنَا لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلاَقِ، وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ فَإِنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عِنْدَهُمْ فِي حِنْثِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ إِلاَّ بِالْوَفَاءِ بِالْفِعْلِ، أَوْ الْوَفَاءِ بِالْيَمِينِ‏.‏ فَصَحَّ بِذَلِكَ يَقِينًا أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَمِينًا، إذْ لاَ يَمِينَ إِلاَّ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَمِينًا‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي أَنَّ كُلَّ حَلِفٍ بِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ مَعْصِيَةٌ وَلَيْسَ يَمِينًا‏.‏ وَهَذَا مَكَانٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَصَحَّ‏:‏ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَضْرِبْ غُلاَمِي، فَأَبَقَ الْغُلاَمُ قَالَ‏:‏ هِيَ امْرَأَتُهُ يَنْكِحُهَا وَيَتَوَارَثَانِ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ الْغُلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَالَ فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا قَالَ‏:‏ لاَ يَقْرَبُ امْرَأَتَهُ حَتَّى يَفْعَلَ مَا قَالَ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا‏.‏ وَصَحَّ خِلاَفُ هَذَا عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي رَجُلٍ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك قَالَ‏:‏ إنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ تَوَارَثَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَامِعٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لأَمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَإِنَّهُمَا يَتَوَارَثَانِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ‏:‏ إنَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ هَذَا عَجَبٌ مَيِّتٌ يَحْنَثُ بَعْدَ مَوْتٍ

وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي ‏"‏ كِتَابِ الأَيْمَانِ ‏"‏ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا‏.‏ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَأَرَادَ سَفَرًا فَأَخَذَهُ أَهْلُ امْرَأَتِهِ، فَجَعَلَهَا طَالِقًا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا بِشَيْءٍ فَلَمَّا قَدِمَ خَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ

فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ‏:‏ أَنَّهُ خُوصِمَ إلَيْهِ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إنْ أَحْدَثَ فِي الإِسْلاَمِ حَدَثًا فَاكْتَرَى بَغْلاً إلَى حَمَّامِ أَعْيَنَ فَتَعَدَّى بِهِ إلَى أَصْبَهَانَ فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِهِ خَمْرًا فَقَالَ شُرَيْحٌ‏:‏ إنْ شِئْتُمْ شَهِدْتُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَجَعَلُوا يُرَدِّدُونَ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ وَيُرَدِّدُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا

قال أبو محمد‏:‏ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه اضْطَهَدْتُمُوهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ إكْرَاهٌ، إنَّمَا طَالِبُوهُ بِحَقِّ نَفَقَتِهَا فَقَطْ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْيَمِينِ بِالطَّلاَقِ فَقَطْ وَلَمْ يُرِدْ الطَّلاَقَ يَقَعُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِمَا فِي خَبَرِ شُرَيْحٍ مِنْ قَوْلِ أَحَدِ مَنْ رَوَاهُ فَلَمْ يَرَهُ حَدَثًا فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَوَ مِنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَهُوَ ظَنٌّ خَطَأٌ أَوَ مَا نَعْلَمُ فِي الإِسْلاَمِ أَكْثَرَ مِمَّنْ تَعَدَّى مِنْ ‏"‏ حَمَّامِ أَعْيَنَ ‏"‏ وَهُوَ عَلَى أَمْيَالٍ يَسِيرَةٍ دُونَ الْعَشَرَةِ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى أَصْبَهَانَ، وَهِيَ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْكُوفَةِ، ثُمَّ بَاعَ بَغْلَ مُسْلِمٍ ظُلْمًا وَاشْتَرَى بِالثَّمَنِ خَمْرًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْحَلِفُ بِالطَّلاَقِ لَيْسَ شَيْئًا، قُلْت‏:‏ كَانَ يَرَاهُ يَمِينًا قَالَ‏:‏ لاَ أَدْرِي فَهَؤُلاَءِ‏:‏ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَشُرَيْحٌ، وطَاوُوس لاَ يَقْضُونَ بِالطَّلاَقِ عَلَى مَنْ حَلَفَ بِهِ فَحَنِثَ، وَلاَ يُعْرَفُ لِعَلِيٍّ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَالطَّلاَقُ بِالصِّفَةِ عِنْدَنَا كَمَا هُوَ الطَّلاَقُ بِالْيَمِينِ، كُلُّ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلاَ يَكُونُ طَلاَقًا إِلاَّ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَعَلِمَهُ، وَهُوَ الْقَصْدُ إلَى الطَّلاَقِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَبَاطِلٌ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَطَاءٍ فِيمَنْ حَلَفَ بِطَلاَقِ امْرَأَتِهِ ثَلاَثًا إنْ لَمْ يَضْرِبْ زَيْدًا فَمَاتَ زَيْدٌ أَوْ مَاتَ هُوَ‏:‏ أَنَّهُ لاَ طَلاَقَ عَلَيْهِ أَصْلاً، وَأَنَّهُ يَرِثُ امْرَأَتَهُ إنْ مَاتَتْ، وَتَرِثُهُ إنْ مَاتَ

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ‏:‏ الطَّلاَقُ يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ الطَّلاَقُ يَقَعُ عَلَيْهِ وَالْحِنْثُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ

برهان‏.‏

وقال مالك‏:‏ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَهُوَ عَلَى حِنْثٍ حَتَّى يَبَرَّ وَهَذَا كَلاَمٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى حِنْثٍ فَهُوَ حَانِثٌ فَيَلْزَمُهُ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، أَوْ أَنْ تَلْزَمَهُ الْكَفَّارَةُ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَإِلَّا فَلَيْسَ حَانِثًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَانِثًا فَهُوَ عَلَى بِرٍّ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى حَالٍ ثَالِثَةٍ لِلْحَالِفِ أَصْلاً‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ ‏"‏ هُوَ عَلَى حِنْثٍ ‏"‏ كَلاَمٌ لاَ يُعْقَلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَلَيْتَ شِعْرِي لأََيِّ شَيْءٍ يُوقَفُ عَنْ امْرَأَتِهِ، وَلاَ تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏:‏ إمَّا أَنْ تَكُونَ حَلاَلاً فَلاَ يَحِلُّ تَوَقُّفُهُ عَنْ الْحَلاَلِ‏.‏ أَوْ تَكُونَ حَرَامًا فَلاَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِالْحِنْثِ فَلِيُطَلِّقَهَا عَلَيْهِ‏.‏

ثم نقول لَهُمْ‏:‏ مِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ الطَّلاَقَ بِصِفَةٍ وَلَمْ تُجِيزُوا النِّكَاحَ بِصِفَةٍ وَالرَّجْعَةَ بِصِفَةٍ كَمَنْ قَالَ‏:‏ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَقَدْ رَاجَعْت زَوْجَتِي الْمُطَلَّقَةَ أَوْ قَالَ‏:‏ فَقَدْ تَزَوَّجْتُك وَقَالَتْ هِيَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْوَلِيُّ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏